الشرع في باريس… أول عاصمة غربية يزورها منذ وصوله إلى السلطة

من بين كافة بلدان الاتحاد الأوروبي، تبدو باريس الأكثر رغبة في «تطبيع» علاقاتها مع السلطات الانتقالية السورية ومع رئيسها أحمد الشرع، وبرز ذلك خلال أربع محطات: الأولى، من خلال إرسال عدة دبلوماسيين إلى دمشق لغرض إقامة أول اتصال مع السلطات الجديدة وإعادة رفع العلم الفرنسي على السفارة الفرنسية في العاصمة السورية المغلقة منذ 14 عاماً.

والمحطة الثانية تمثلت في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية، جان نويل بارو، بمعية نظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى دمشق، وكان بذلك أول وزير خارجية أوروبي يعيد التواصل عالي المستوى مع هذه السلطات. والمحطة الثالثة تمثلت بمؤتمر دعم الشعب السوري الذي استضافته باريس، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في 13 فبراير (شباط) الماضي. أما المحطة الرابعة فحلت يوم زيارة الرئيس اللبناني، جوزيف عون، الرسمية إلى باريس يوم 28 مارس (آذار)، حيث أجرى الرئيس إيمانويل ماكرون اتصالاً «ثنائياً» ثانياً مع الشرع، أعقبه اتصال ثلاثي بمشاركة الرئيس اللبناني، حيث بحثت الملفات الرئيسية التي تهم لبنان، مثل الحدود والإرهاب والهجرات. كما كانت باريس الدولة الرئيسية التي دفعت الاتحاد الأوروبي باتجاه رفع بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.

المؤتمر الدولي حول سوريا في مركز المؤتمرات الوزاري بباريس (أرشيفية)

وتأتي زيارة الشرع، الأربعاء، إلى أول عاصمة أوروبية، بمثابة تنفيذ وعد قطعه ماكرون له في فبراير الماضي، واشترط في نهاية مارس لتنفيذه تشكيل حكومة سورية جديدة تضمّ «كل مكوّنات المجتمع المدني»، وتوفير الأمن لعودة اللاجئين السوريين.

ورأت مصادر دبلوماسية عربية في باريس أن مجيء الشرع إلى فرنسا، في هذا الوقت بالذات وقبل عشرة أيام على القمة العربية الجديدة التي ستستضيفها بغداد، «يحمل أكثر من دلالة، وأهمها أن باريس تريد أن تكون سباقة في تطبيع علاقاتها مع سوريا، وربما أنها تعدّ أن خطوة كهذه، رغم ما شهدته سوريا؛ إن في الساحل العلوي أو في المنطقة الدرزية وفي محافظة حمص، من شأنها أن تدفع النظام إلى العمل الجاد من أجل وضع حد لأعمال العنف، وانتهاج سياسة معتدلة، والاستجابة لما تطالب به، من غير انقطاع، الأسرة الدولية».

كذلك رأت هذه المصادر أن باريس تريد أن يكون لها دور في سوريا والمحافظة على نوع من النفوذ فيها، فضلاً عن رغبتها في أن تكون لها حصة في عملية إعادة الإعمار عندما تنطلق بعد أن تستقر الأمور وترفع العقوبات عنها. وتشير هذه المصادر إلى أن أول الغيث تمثل في توقيع شركة «سي إم جي سي جي إم» التي يديرها اللبناني – الفرنسي رودولف سعادة، عقداً مع الحكومة السورية مدته 30 عاماً؛ لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية، وذلك بحضور الشرع شخصياً.

وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو ووزير خارجية سوريا أسعد الشيباني خلال مشاركتهما بالمؤتمر الاقتصادي في دافوس في 23 يناير 2025 (أ.ف.ب)

فرنسا والالتزامات

في معرض تقديمها للزيارة، رأت مصادر الإليزيه أن فرنسا «لم تغير أبداً موقفها وبقيت ثابتة في دعمها للشعب السوري ولقيام سوريا حرة، متعددة، تتمتع بالسيادة وتعيش بسلام واستقرار مع جيرانها»، مضيفة أن «ما كانت فرنسا تطالب به في الأمس ما زالت تطالب به اليوم».

وبحسب ما قالته، فإن اجتماع باريس لدعم سوريا وضع، بمبادرة من الرئيس ماكرون، «الإطار لتوفير الدعم للمرحلة الانتقالية في سوريا ربطاً بتنفيذ التزامات السلطات السورية» إزاء الشعب السوري والأسرة الدولية.

وإذ أشارت إلى بعض ما حققته هذه السلطات، فقد شددت على أن المسار الانتقالي «لم يكتمل»، ومتحدثة عن «القلق» الذي تثيره التوترات الطائفية وأعمال العنف المتنقلة من الساحل العلوي إلى المناطق الدرزية وغيرها.

وأكدت باريس أن مطلبها الأول هو «منع الإفلات من العقاب» للمسؤولين عن هذه الأعمال، مطالبة باستكمال أعمال لجنة التحقيق التي تشكلت، وأن تعلن عن نتائج عملها، وأن تتم محاكمة المسؤولين.

وأفادت بأن الرئيس ماكرون سوف يثير هذه المسألة مع الشرع. أما المواضيع الرئيسة الأخرى التي تحظى باهتمام باريس فتتناول، بالدرجة الأولى، مكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيم «داعش» الذي «يشكل أكبر تهديد» بالنسبة لسوريا، ويريد ماكرون التأكد من الشرع أن هذا الالتزام ما زال قائماً. وأفادت باريس بأنها طلبت من الاتحاد الأوروبي السير بقرار يتيح فرض عقوبات على المسؤولين عن المجازر وأعمال العنف، إضافة إلى محاكمتهم بغض النظر عن انتماءاتهم أو مذاهبهم.

الشرع يرعى توقيع اتفاق مع شركة «سي إم إيه سي جي إم» الفرنسية لتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية في الأول من مايو الحالي (أ.ف.ب)

مسألتا لبنان والأكراد

الملف الثاني الذي يهم باريس عنوانه العلاقة بين الأكراد ودمشق، وتتمنى باريس مواصلة الحوار بين الطرفين، وأن يؤتي ثماره.

وكشف الإليزيه عن أن هذا الملف كان موضع تشاور مع الطرف الأميركي؛ إن على مستوى وزير الخارجية أو الرئيس ماكرون شخصياً مع الرئيس دونالد ترمب. كذلك، فإن باريس تريد من سلطات دمشق أن تعمل على أن تساهم سوريا في الاستقرار الإقليمي، مشيرة بشكل خاص إلى لبنان، وإلى ضرورة تعزيز التنسيق في اللجنة المشتركة التي شكلت بين الطرفين لتوفير الأمن على الحدود اللبنانية – السورية. وبالطبع، سيكون ملف اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، وأيضاً إلى أوروبا، موضع تباحث مع الشرع. واستبعد الإليزيه أن يحصل نقاش رئاسي ثلاثي (يضم الرئيس اللبناني)، كما جرى خلال زيارته إلى فرنسا.

وأخيراً، فإن ملف التدخل الإسرائيلي السافر في سوريا وعملياتها المتواصلة سيكون أيضاً موضع تباحث بين الجانبين. وتركز باريس على رفض أي أعمال من شأنها مضاعفة الصعوبات بوجه السلطات السورية. لكن الثابت أن إسرائيل لا تأخذ هذه التحذيرات بالاعتبار.

أما في الملف الاقتصادي، فسيكون مطلب سوريا برفع العقوبات المفروضة عليها، حاضراً في المحادثات. وذكّر الإليزيه بأن البنك الدول قدر أن إعادة إعمار سوريا يحتاج لـ250 مليار دولار، وأن العقوبات «القطاعية» التي رفعها الاتحاد الأوروبي ليست كافية، وأن العقوبات الأميركية تطأ بثقلها على سوريا، وتمنعها من اجتذاب الاستثمارات التي تحتاج بدورها إلى إطار قانوني وإلى ضمانات من الجانب السوري.

كان لافتاً أن البيان الذي أصدره قصر الإليزيه للإعلان عن الزيارة، صباح الثلاثاء، تضمن ثبتاً كاملاً لما تريده فرنسا، ولما هو مطلوب من الشرع. وجاء في تبرير اللقاء أنه « يندرج في إطار التزام فرنسا التاريخي تجاه السوريين الذين يتطلّعون إلى السلام والديمقراطية»، كما أنه يوفر الفرصة للرئيس ماكرون، «ليؤكّد مجدداً دعم فرنسا لبناء سوريا جديدة، سوريا حرّة ومستقرّة وذات سيادة تحترم كلّ مكوّنات المجتمع السوري». لكن بالمقابل، ثمة مجموعة من المسائل الرئيسية التي سيجدد ماكرون المطالبة بها وسبق له أن أشار إليها في أكثر من مناسبة.

وبحسب الإليزيه، فإن ماكرون سيذكّر الشرع «بمطالبه من الحكومة السورية، وفي مقدمتها تحقيق الاستقرار في المنطقة، وخاصة لبنان، وكذلك مكافحة الإرهاب الذي يشكل قضية أمنية للسوريين ولجميع سكان المنطقة، وقبل كل شيء للفرنسيين»، بحسب قصر الإليزيه.



Source link

اشتراك

لو بتدور على مناقصة أو مزاد معين تقدر تتواصل معانا وهنعملك تقرير يتم إرساله يوميا على الواتساب الخاص بكم في المجال الـ أنت مهتم بيه سواء في الصحف الورقية أو بوابة التعاقدات الحكومية للتواصل: 01091776061