في قلب جدة، حيث يلتقي صخب المدينة مع سكون الصورة، اجتمع عشاق الضوء والعدسة في أمسية رسمت الوطن على جدران الفن، حيث استقبل «حي جميل» فعاليات معرضي «حيّ عينك» و«حين يهمس الضباب»، في إطار النسخة الثالثة من جائزة المملكة للتصوير الفوتوغرافي والمستمرة حتى 25 مايو (أيار) الحالي.
هنا، لا تُعرض الصور فحسب، بل تُروى حكايا تتسلل من بين تفاصيل الضوء والظل، توثق تحولات المجتمع، وتُعيد اكتشاف ملامح الوطن من زاوية فنية معاصرة.
سرد بصري معاصر لوجه المملكة
في معرض «حيّ عينك»، عُرضت أعمال فنية مختارة من بين أكثر من 1300 مشاركة، قدّمها مصورون من مختلف مناطق المملكة، تراوحت ما بين مناظر طبيعية آسرة وتفاصيل دقيقة من الحياة اليومية. وقد خضعت المشاركات لتقييم لجنة تحكيم دولية ضمّت أسماء بارزة من السعودية وخارجها، وركّزت على التكوين البصري وجودة السرد والتأثير الشعوري للعمل.
وتبلغ القيمة الإجمالية للجوائز 400 ألف ريال سعودي، مما يعكس المكانة المتنامية للجائزة بوصفها منصة لاكتشاف المواهب وتعزيز فن التصوير بصفته أداة ثقافية معبِّرة.
ضوء عسير وهمسات الذاكرة
أما معرض «حين يهمس الضباب»، فكان بمثابة رحلة حسية إلى أعماق منطقة عسير، مزجت بين الضباب والذاكرة والطبيعة من خلال عدسات خمسة فنانين من السعودية ومصر والمغرب، قدّموا أعمالاً تعبّر عن ارتباطهم بالمكان والناس والضوء.
من بين المشاركين، قدّم المصور عبد المجيد الروضان مشروع «محطات الطريق» الذي يوثق معمار محطات البنزين القديمة كجزء من الذاكرة البصرية الآيلة للزوال. بينما جمعت إلهام الدوسري بين أرشيف والدها المصوّر وصورها الحديثة في عمل بعنوان «عابرون في عسير»، يوثق عبور الزمن من خلال العدسة.
كما نقل محمد مهدي، من مصر، العلاقة العاطفية بين الأهالي والأرض. وقدّمت لينا جيوشي سرداً بصرياً عن النساء العاملات في فن القَطّ العسيري في عمل بعنوان «بنات القَطّ». بينما استكشف هشام غرظاف، من المغرب، غابات العرعر في سلسلة «الطريق إلى العرعر» بعدسة تتأمل المشهد كقصيدة بصرية.
منصة وطنية لسرد الهوية
وقالت لـ«الشرق الأوسط» الرئيس التنفيذي لهيئة الفنون البصرية دينا أمين: «جائزة المملكة الفوتوغرافية تُعد إحدى المبادرات السنوية الرائدة التي أطلقتها الهيئة بهدف دعم فن التصوير الفوتوغرافي، وإبراز المواهب الإبداعية داخل المملكة».
وأوضحت أمين أن الجائزة تعتمد على مسارين رئيسيين، يُعنى أولهما بتكليف فنانين محترفين من داخل المملكة وخارجها لإنتاج أعمال فوتوغرافية تُركّز على منطقة محددة من مناطق المملكة. وقالت: «يمثل هذا المسار فرصة حقيقية لتعزيز التبادل الثقافي بين الفنانين السعوديين والدوليين، وتسليط الضوء على الفن السعودي من خلال مقاربات فنية متنوعة، كما يُسهم في اكتشاف مواهب سعودية جديدة، ويمنح الفنانين غير السعوديين فرصة لرؤية المملكة من زوايا إبداعية مختلفة».
أما المسار الثاني، فتصفه أمين بأنه دعوة مفتوحة لجميع المهتمين بفن التصوير من سكان المملكة، سواء من المواطنين أو المقيمين، للمشاركة بأعمالهم في الجائزة. وأضافت: «نسعى من خلال هذا المسار إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، واكتشاف مواهب ناشئة، ومنحها منصة لعرض أعمالها ضمن معرض خاص يُقام سنوياً، مما يُعزز من حضور هذه المواهب في المشهد الفني المحلي».
وأكدت أمين أن الجائزة تمثل التقاءً للعمق الثقافي والانفتاح الفني، وتُشكّل منصة فنية متكاملة تحتفي بالتنوع، وتُسهم في إثراء الحراك البصري في المملكة، وتعكس تطلعات الهيئة نحو بيئة فنية مزدهرة ومستدامة.
صاحب المعرضين برنامجٌ ثقافي يضم ورش عمل وجلسات حوارية يقدّمها فنانون وخبراء من داخل المملكة وخارجها، لدعم المهارات البصرية وتبادل الخبرات بين المصورين في مختلف مراحلهم المهنية.
من جانبه، قال القيِّم الفني للمعرضين محمد سُمجي، مدير «قلف فوتو بلس» التصوير الفوتوغرافي في السعودية تجاوز اليوم دوره التوثيقي، ليصبح أداة فعالة في سرد التحولات الاجتماعية والإنسانية برؤية معاصرة تكسر الأطر التقليدية وتعيد تعريف المشهد البصري.